العمارة الإسلامية وآثارها الخالدة في الفنون العالمية
Islamic architecture and its impact on the world
"اقرأ" [الآية رقم 1 - سورة العلق]، هي أول ما أُنْزِلَ على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، فأول ما أمر به الدين الإسلامي كان الاهتمام بالعلم والتعليم ، فهناك من أكثر من ألف وربعمائة سنة في صحراء قاحلة بيوت قاطنيها من الطوب اللبن وسعف النخل ، بُعِثَ نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالدين الإسلامي الحنيف إلى كافة العالمين ، وتكونت ثُلَّة المسلمين الأولى من قبائل متناحرة تقتتل فيما بينها على الطعام و الشراب والمرعى (المبيت) إلى أخوة ناشئة ثابتة مرجعها ودستورها الدين الإسلامي فقط ، وكانت مركز ولادة الدولة الإسلامية الناشئة المدينة المنورة ؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعمير المدينة المنورة وإنشاء أول مسجد في الإسلام وهو مسجد قباء وبعده إنشاء المسجد النبوي الشريف ، ثم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اتسعت رقعة دولة الإسلام شيئًا فشيئًا على مر عصور التاريخ الإسلامي بداية من عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم حتى نهاية الدولة العثمانية ، فانطلق المسلمون بدعوة الدين الإسلامي إلى مشارق الأرض ومغاربها لا يمكثون بأرض ولا سهل و لا يقطعون واديًا أو نهر إلا وأن يعمروه بشتى السُبلْ الممكنة ، وتصبح لهم آثارًا عظيمة خالدة ، يقف أحفادهم اليوم على أطلالها ويقولون : إن أجدادنا المسلمون كانوا هنا يومًا ما.
مفهوم العمارة الإسلامية ( The concept of islamic architecture):
عزيزي القارئ : كيف لك أن تحكم وتقول هذا بناء إسلاميّ أو هذا بناء روميّ أو هذا بناء إغريقيّ أو هذا بناء هنديّ ؟ فقط هيئة البناء و طابعه ونقوشه المميزة له في عالم المعمار يُستدَلْ منه على تاريخه ويعطيه بطاقة الهوية له.
خصائص العمارة الإسلامية ( Characteristics of islamic architecture):
الحوائط الخارجية: تتكون من فتحات قليلة على الشوارع ولهذا فقد كان الاهتمام بتصميمها داخليًا حيث كانت تبنى بمداميك من الحجر في قوالب مختلفة فمنها : واجهات تتكون من عقد مستقيم فوق صفوف من المقرنصات أو واجهات غاطسة إلى الداخل قليلًا.
المساقط الأفقية: أكثر ما حظي باهتمام من قبل المعماري الإسلامي هو بناء المسجد ، وتتميز عمارة المساجد عن غيرها أن الصحن يجب أن يتسع لأكبر عدد من المصلين ، وإن كان الصحن مكشوف فتتم إحاطته بأروقة لحماية المصلين من حرارة الشمس وأشعتها ، وتتميز المآذن بتصميم واهتمام خاص في العمارة الإسلامية ، وكذلك الأبنية التي كانت تسمى بالوكالة أو الخان فهى مباني تكون في المدن الكبرى مثل : القاهرة ودمشق وبغداد لاستقبال الزوار والتجار ، وكان الخان يتكون من طابقين وفناء كبير داخلي مكشوف به عدة غرف للنوم ودورات مياه ، وتميزت مباني الخان في المدن واختلفت فيما بينها ، أما المنازل فكانت مبانٍ معزولة ووحدات مخصصة للسكن وكانت فيها الشرفات المطلة على الطريق تتسم بفتحات ضيقة جدًا تحميها قضبان من الحديد ، أما الشرفات العلوية فكانت واسعة تغطيها مشربات خشبية للوقاية من الشمس.
المداخل والفتحات: تحتل معظم أجزاء المبنى وتتميز المداخل بفتحات مستطيلة عميقة في المسقط الأفقي للمبنى ويبلغ عمقها نصف عرضها وفي نهايتها يكون لها عقد مخصوص ، وعلى جوانب الفتحة يوجد عمودان تنتهي بحلية زخرفية على شكل شرفة ، أما الفتحات فهى تحتوي على زجاج ملون بشكل مكثف في أجزاء المبنى العلوية وتوضع على شكل شرفات من الخشب.
من أبرز العقول الهندسية في مختلف العصور الإسلامية ( The most pioneer engineering minds in the various islamic eras ):
عمر الوادي: كان مهندسًا بارعًا في زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وقد كان جده من موالي عثمان بن عفان رضي الله عنه.
عبد الله بن محرز: كان من مهندسي الدولة العباسية البارعين ممن ساهم في بناء بغداد ، فيذكر أن الخليفة العباسي المنصور لما شرع في بناء بغداد قسمها إلى أربع ، وجعل على كل ربع رجلًا من المهندسين وضم إليه اثنين من رجال الدولة للإشراف على الأعمال ، ووضح المنصور لأصحاب كل ربع ما قدَّرهُ فيه من الحوانيت والأسواق والمساجد والحمامات ، وقد كان لعبدالله بن محرز الربع الذي من باب الكوفة إلى باب الشام وشارع طريق الأنبار إلى حدِّ ربض حرب بن عبدالله.
الحجاج بن يوسف: أحد المهندسين الأربع الذين بنوّا بغداد ، وقد كان متقلدًا العمل في الربع الذي قٌسِّمَ من باب الشام إلى ربض حرب وما اتصل بربض حرب بن عبد الله وشارع باب الشام ، وما اتصل بذلك إلى الجسر على منتهى دِجلة ، و وجب التنويه أن الحجاج بن يوسف هذا غير الحجاج بن يوسف الثقفي الشهير في الدولة الأموية قاتل عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما وسعيد بن جُبير رحمه الله.
عمران بن الوضاح: أحد المهندسين الأربع الذين بنوّا بغداد ، وقد كان متقلدًا العمل في الربع الذي قُسَّمَ من باب الكوفة إلى باب البصرة ؛ وباب المحول والكرخ وما اتصل بذلك كله.
شهاب بن كثير: أحد المهندسين الأربع الذين بنوّا بغداد أيضا ، وقد كان متقلدًا العمل في الربع الذي قُسِّمَ من باب خراسان إلى الجسر الذي على دِجْلَة ، وما اتصل بالشارع الذي على دِجْلَة إلى باب قُطْرُبُّل.
بهاء الدين قراقوش: من المهندسين البارعين في الدولة الأيوبية ، أحد قادة جيش صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، وهو الذي بنى السور المحيط بالقاهرة ، وبنى قلعة الجبل قلعة صلاح الدين الأيوبي الشهيرة بالقاهرة ، وبنى القناطر الخيرية التي تقع في محافظة الجيزة في مصر ، وبنى خان سبيل على باب الفتوح في القاهرة ، وعمَّرَ بالمقدس رباطًا ، وله وقف كثير غير ذلك ، فقد كان رحمه الله رجلًا عظيمًا ، حسن المقاصد ، جميل النية ، صاحب سيرة عطِرَة وهِمَّة عالية ، لذلك شوه كثير من المستشرقين المؤرخين سيرته الزكية ولكن لاتزال قلعة صلاح الدين شاهدة تنبئنا إلى يومنا هذا : أن نعطي بانيها حقِه ولا نبخس في سيرته ولا ذِكره.
وغيرهم الكثير من العقول البارزة ممن لا يمكن للكتب أن تجمع عددهم ولا تحصر علمهم أبدًا.
من أبرز المدن ذات الفن المعماري الإسلامي ( The most prominent cities with islamic architecture):
مدينة دمشق: بدأ التاريخ الإسلاميَّ لأقدم عاصمة في التاريخ منذ عام 13للهجرة ، حيث ابتدأ فتحها في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأتمَّه الله في عهد الفاروق عمربن الخطاب رضي الله عنه ، ومن ذلك التاريخ وقد عُمِّرَّت دمشق بالآثار التاريخية العظيمة ومنها :
الجامع الأموي : وهو الذي أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بتشييده وهو أحد عجائب العمارة الإسلامية ومن أفخم المساجد الإسلامية على مستوى العالم ويُّعد رابع أشهر المساجد الإسلامية بعد حرميّ مكة المكرمة والمدينة المنورة والمسجد الأقصى.
البيمارستان النوري : بناه الملك العادل نور الدين محمود زنكي رحمه الله وخصصه كمشفى للفقراء والمساكين ثم تحول ليصبح واحدًا من أشهر المشافي والمدارس في الطب والصيدلة وتعلَّمَ فيه كبار الأطباء مثل : ابن سينا والزهراوي.
التكية السليمانية : أمر ببنائها السلطان سليمان القانوني رحمه الله وهي من تصميم أشهر معماري عثماني معمار سنان رحمه الله ، وكانت تخدم الفقراء وعابري السبيل والحجاج في طريقهم وتؤمن لهم الطعام والمأوى ، وكانت بها خدمات التعليم للفقراء.
مدينة القيروان : تم بنائها وتأسيسها في عهد الدولة الأموية على يد عقبة بن نافع رحمه الله سنة 50 للهجرة ، ويرجع أصل كلمة القيروان إلى كلمة (كاروان) الفارسية التي تعني بالمعسكر ، ومن أهم معالم مدينة القيروان :
مسجد عقبة بن نافع : وهو من أهم معالم المدينة عبر التاريخ ، ويُعَّد من أقدم مساجد المغرب العربي الإسلامي والمصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية وقد كان هذا المسجد ميدان للحلقات الدينية والعلمية واللغوية التي ضمت نخبة من أكبر علماء هذا العصر.
بيت الحكمة : هو من أشهر مكتبات القيروان الذي أنشأه إبراهيم الثاني الأغلبي محاكاة لبيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد في بغداد ، وقد كانت نواة لمدرسة الطب القيروانية في المغرب العربي ، وكان بيت الحكمة معهدًا علميًا للدرس والبحث العلمي والترجمة من اللاتينية ومركزًا لنسخ الملصقات ، وكان يتولى الإشراف عليه حفظة مهمتهم حراسة الكتب وتزويد الباحثين من طلاب العلم بما يلزمهم من الكتب حسب تخصصاتهم ، وكانت تعقد المجالس العلمية للمناظرة في بيت الحكمة أيضًا.
محافظة بغداد : أسسها الخليفة الثاني للدولة العباسية أبي جعفر المنصور في القرن الثامن الميلادي ، ومن أبرز معالم بغداد :
المدرسة المستنصرية : أسسها الخليفة العباسي المستنصر بالله وكانت مركزًا علميًا وثقافيًا هامًا يرتاده الكثيرون ، وكان يتوسط بناء المدرسة نافورة كبيرة بها ساعة عجيبة تعلن عن أوقات الصلاة على مدار اليوم.
جامع الخلفاء : أسسه الخليفة العباسي المكتفي بالله ليكون المسجد الجامع لصلاة الجمعة ، وكانت منارته تعتبر أعلى منارة يمكن رؤية بغداد من خلالها كما أنه اتسم بنقوش مميزة وظلالٍ متباينة.
جامع الإمام الأعظم : أو جامع الإمام أبي حنيفة النعمان وهو أحد المساجد والمدارس التاريخية في بغداد ، تم تأسيسه في العصر العباسي عام 375 للهجرة بجوار قبر الإمام أبي حنيفة النعمان في مقبرة الخيزران.
محافظة القاهرة :
بناها جوهر الصقلي في بداية تأسيس الدولة العبيدية بمصر مكان عاصمة مصر بعد الفتح الإسلامي مدينة الفسطاط ومن أبرز المعالم فيها :
الجامع الأزهر: تم تأسيسه في بداية عهد الدولة العبيدية سنة 969 للهجرة ، وهو أهم المساجد المصرية على الإطلاق ومن أهم المعاقل التاريخية لنشر وتعليم الإسلام كذلك ، وهو من أشهر المساجد الأثرية في مصر ، ويعد الأول من نوعه في تأدية دور المدارس والمعاهد النظامية بمصر فكانت دروسه تُطْى بتكليف من الدولة ويؤجر عليها العلماء والمدرسين.
مسجد عمرو بن العاص : تم تأسيسه في مدينة الفسطاط بعد الفتح الإسلامي لمصر عام 21 للهجرة ، وهو أقدم المساجد في مصر قاطبة و من أشهرها على الإطلاق.
متحف الفن الإسلامي : تم تأسيسه في عصر الدولة العثمانية ؛ حيث كان عبارة عن فكرة في عصر الخديوي إسماعيل تم تنفيذها فعليًا في عصر الخديوي توفيق ، ويعد أكبر متحف إسلامي بالعالم يضم مجموعات متنوعة من فنون الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا والهند والصين وإيران.
العمارة الإسلامية في مختلف العصور( Islamic architecture in different eras):
الدولة الأموية : أقرب الدويلات عهدًا بالخلافة الراشدة وأقصرها زمنًا عن من يأتي بعدهم دامت لمدة 92 عامًا فقط ، فهى لم تشهد الكثير مقارنة بغيرها ، ولعل أبرز معالمها الشاهدة عليها في يومنا هذا كانت في بلاد الشام مثل : مسجد قبة الصخرة الذي أسسه عبد الملك بن مروان في مدينة القدس ، والجامع الأموي الكبير بدمشق.
الدولة العباسية : اهتم العباسيون في زمن القوة للدولة العباسية الأولى بالفن المعماري اهتمامًا كبيرًا وشهد المعمار تقدمًا لم يشهده من قبل في العصور الآنفة ، و شيد العباسيون العديد من المدن العامرة إلى يومنا هذا ومنها : عاصمة الدولة العباسية بغداد ، وسامراء والرصافة في العراق ، و المتوكلية والرحبة في الجزيرة السورية وغيرها ، وشيدوا العديد من المدارس والجامعات والمستشفيات والخانات في المدن الكبرى مما لا يتسع المجال لذكرها.
- الأندلس الإسلامية : إن كنَّا نتحدث عن الأندلس الإسلامية فهى كما وصفها المؤرخون "جنة الله في أرضه" شهدت تقدمًا علميًا و حضاريًا في شتى المجالات أثناء فترة حكم المسلمين لها ، ومن أبرز معالمها الإسلامية : جامع قرطبة الكبير الذي تم تأسيسه عام 710 ميلادي بعد الفتح الإسلامي للأندلس ، وقصر الحمراء الذي أسسه الملك أبوعبد الله محمد الأول بن الأحمر سنة 1238 ميلادية ، وبرج الخيرالدا الذي تم بناؤه سنة 1184 ميلادية بأمر من الملك الموحدي أبويوسف يعقوب المنصور.
- الدولة العثمانية : شهدت العمارة العثمانية في عهد التوسع والفتوحات ازدهارًا كبيرًا ، فاهتموا بتشييد المدارس ومعاهد التعليم التي اتسعت لساكنيها وكذلك المستشفيات والبيمارستانات و الخانات ودور العجزة والمطاعم الشعبية والتكايا والمكتبات العامة والمتاحف والقصور والمساجد ومنها : مسجد السلطان محمد الفاتح ومسجد السلطان أحمد ومسجد السلطان سليمان القانوني ومسجد السلطان سليم الثاني وغير ذلك.
نسبة شيئًا من العمارة الإسلامية زورًا وبهتانًا إلى العمارة العالمية ( Falsely attributing something from islamic architecture to global architecture):
بعد سقوط الدولة الإسلامية الحاكمة تكالب الكثيرون على نهبة الآثار الإسلامية وطمس معالمها الدينية وتغيير هويتها ومن أبرز تلك الآثار:
مسجد قصر الحمراء الذي تحول حديثًا إلى كنيسة سانتا ماريا و الذي تم بناؤه في عهد دولة بني الأحمر بالأندلس لكن ما إن سقطت الخلافة الإسلامية سنة 1492 للميلاد تم تحويله إلى كنيسة.
مسجد قاسم باشا في كرواتيا الذي تحول حديثًا إلى كنيسة سانت ميخائيل و الذي تم بناؤه في مدينة أوسيك في عهد الدولة العثمانية لكن ما إن سقطت الخلافة الإسلامية بالدولة العثمانية تم تحويله إلى كنيسة.
جامع إشبيلية الكبير الذي تحول حديثًا إلى كنيسة ماريا و كان آية في الجمال من الفن المعمار الإسلامي ، وتم تأسيسه في عهد دولة الموحدين على يد أبي يوسف يعقوب المنصور ، لكن أيضاً ما إن سقطت الأندلس الإسلامية على يد ملوك النصارى من الأسبان حتى تحول الجامع الكبير إلى كاتدرائية.
الكلمات المفتاحية ( Keywords ):
Islamic architecture, Characteristics of islamic architecture, Islamic engineering minds, Islamic architectural cities, Umayyad architecture, Abbasid architecture, Ottoman architecture, Andalusian architecture.
العمارة الإسلامية ، خصائص العمارة الإسلامية ، عقول هندسية إسلامية ، المدن المعمارية الإسلامية ، العمارة الأموية ، العمارة العباسية ، العمارة العثمانية ، العمارة الأندلسية.