الأئمة الفقهاء الأربعة The four jurists imams

 الأئمة الفقهاء الأربعة

The four jurists imams 


من رحمة الله تعالى بعباده أن أنزل القرآن على سبعة أحرف تندرج من منبع اللسان العربيّ المبين ، وذلك لاستيعاب شتى لهجات كل من آمن بما أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة.


وبما أن سنة الله في أرضه سن التشريعات التي تفصل بين العباد ، فقد جعل الله تعالى القرآن الكريم مصدر التشريع الأول ، فإن لمْ نجِدْ في القرآن ننظر إلى المصدر الثاني ألا وهو السنة النبوية ، فإن لم نَجِدْ ننظُرْ إلى ما اتفق عليه عُلماء الأمة.


وبما أن الأعراف تختلف باختلاف جغرافية المجتمع ، ونحن مأمورون بأخذ أحسنها كما أمرنا القرآن الكريم (خُذِ العفوَ وأمُرْ بالعُرْفِ وأعرِضْ عن الجاهلين) "الآية 199 : سورة الأعراف" ، فقد جعل الله من اختلاف مواطن البشر الجغرافية رحمة ؛ فمن تِلكَ المواطِن الكثيرة خرج لنا علماء فقهاء في أزمنة مختلفة وقد اجتمع على عِلْمِهم أهل زمانهم وكان تلاميذهم من طلاب العلم بالآلاف المؤلفة التي سَعَتْ إلى نَشْرِ عِلمهم في آفاق الأرض وأصبح إليهم يَرْجع الناس في فتاوى دينهم. 


فقد جعل الله تعالى في وجودهم في أزمنة وأماكن مختلفة رحمة للناس ، وكذلك في اختلاف فتاويهم وأحكامهم ، فمَنْ هؤلاء الأئمة الأربعة الفقهاء الذين تَرجِعْ إليهم مختلف أحكام الفقه الإسلامي ؟


لن أبدأ السطور القادمة بمذهبٍ خاص ، ولكن سنتناول نبذة قصيرة عن حياة الفقهاء ، وذلك بدايةً من ظهور أول إمام منهم للمسلمين ألا وهو الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله ، وختامًا بظهور حافظِ القرآن والسنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.


  • الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت (Imam Abu Hanifa al-Numan bin Thabit):


وُلِدَ الإمام أبوحنيفة بالكوفة سنة 80 هـ ، وقد أكدت المصادر أن أبوه "ثابت بن المرزبان" من بني يحيى بن زيد بن أسد من عرب الأزد الذين هاجروا من اليمن وسكنوا أرض العراق بعد انهيار سد مأرب.


نشأ أبوحنيفة في أسرة ميسورة الحال ، كانت تعمل بتجارة الأقمشة ، وبما أن نشأته كانت بالعراق ، وهي موطن الجدال قديمًا بين مختلف المذاهب العقائدية فقد كان بها الشيعة والخوارج والمعتزلة والتابعين لمذهب أهل السنة والجماعة ، فقد اطَّلَعَ أبوحنيفة منذ صباه على كافة الآراء والاختلافات الفكرية بين شتى العقائد.


يروي أبوحنيفة عن نفسه قائلًا : مررتُ يومًا على "الشعبيّ" وهو جالس فدعاني ، فقال لي : إلى من تختلف ؟ ، فقلتُ : أختلف إلى السوق ، فقال : لم أعن الإختلاف إلى السوق ؛ عنيتُ الإختلاف إلى العلماء ، فقلتُ له : أنا قليل الإختلاف إليهم ، فقال لي : لا تغفل وعليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء فإني أرى فيك يقظة وحركة ، قال : فوقع في قلبي من قوله ، فتركت الإختلاف إلى السوق ، وأخذت في العلم ، فنفعني الله بقوله.


حفظ أبو حنيفة القرآن على قراءة عاصم ، وعرف قدرًا لا بأس به من الحديث والنحو والأدب والشعر ، وجادل الفرق المختلفة في مسائل الاعتقاد الفكري ، ثم انصرف بعد ذلك إلى دراسة الفقه ، فقد كانت الكوفة موطن فقهاء العراق حينئذ.


ومن أبرز شيوخ أبي حنيفة : أنس بن مالك ، عطاء بن أبي رباح ، الشعبيّ ، أبي سفيان طلحة بن نافع ، نافع مولى ابن عمر ، عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، أبي جعفر الباقر ، ابن شهاب الزهري ، محمد بن المنكدر ، عطاء بن السائب ، هشام بن عروة ، محارب بن دثار ، علقمة بن مرثد ، عبد العزيز بن رفيع ، وغيرهم الكثير.


تخرَّجَ أبي حنيفة في الفقه على يد شيخه "حماد بن أبي سُليمان" وقد لازمه طوال حياته إلى أن مات سنة 120 هـ ، فقد ابتدأ أبي حنيفة حلقته في تدريس الفقه حينما بلغ 40 من عُمُرِه في مسجد الكوفة.


ومن أبرز تلاميذ أبي حنيفة : أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ، إبراهيم بن طهمان ، الحسن بن زياد اللؤلؤي ، حمزة الزيات ، داود الطائي ، عبد الله بن المبارك ، محمد بن الحسن الشيباني ، وغيرهم الكثير.


أما عن المذهب الحنفي فقد انتشر في العراق موطن أبي حنيفة ومن ثمَّ في مصر والشام وبلاد الروم وبلاد ما وراء النهر حتى وصل إلى بلاد الهند والصين.


ترجع قلة مؤلفات أبي حنيفة رحمه الله لانشغاله بالتدريس عن التأليف ، بالإضافة إلى تعرضه لمحنتين في حياته وذلك لأنه عاصر دولتين من دول الإسلام الأموية والعباسية ، ففي الخلافة الأموية لما خرج "زيد بن عليّ زين العابدين" على "هشام بن عبد الملك" كان أبوحنيفة من المؤيدين لـ "زيد" وذلك لعِلْمِه وخُلُقِهِ ودِيِنِه ، حتى أن أبي حنيفة ناصره بماله فلمَّا عِلمَ بذلكَ والي الكوفة الأموي أمر أن يجعل الأمر بضرب عنق "زيد" مختوم بِختم "أبي حنيفة" ، فأبى "أبوحنيفة" ذلك ، فقام الوالي بحبسه وجَلْدِه حتى تمكن "أبوحنيفة" من الهرب إلى مكة ، وظلَّ يطلب العلم فيها على يد فقهائها وعلمائها حتى صارت الخلافة للعباسيين ، فرجع "أبوحنيفة" إلى الكوفة في عهد "أبي جعفر المنصور".


أما عن المحنة الثانية التي تعرض لها "أبوحنيفة" كانت في زمن "أبي جعفر المنصور" وذلك بسبب وقوفه مع ثورة "محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن" وأخوه "إبراهيم بن عبد الله بن الحسن" ، وأيضًا بسبب جهره بمخالفة "المنصور" في غاياته عندما يستفتيه ولردِّه لعطاياه ، وكذلك بسبب امتناعه عن تولي منصب قاضي القضاة ، فقام "المنصور" بحبسه إلى أن توفي سنة 150 هـ ، وتم دفنه بمقبرة "الخيزران" في بغداد ، وبجانب قبره تم بناء جامع الإمام الأعظم سنة 375 هـ.


رحم الله الإمام أبي حنيفة أحد التابعين الأجلاء الذين تتلمذوا على يد العديد من الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد كان ورعًا مخلِصًا متواضعًا قوي الشخصية ذا هدوءٍ ووقار ، كثير العلم ، غزير العلم ، فجزاه الله عن أمة الإسلامِ خيرًا.


  • إمام دار الهجرة مالك بن أنس (Imam of Dar Al-Hijrah Malik bin Anas) :


وُلِدَ الإمام مالك سنة 93 هـ بالمدينة المنورة في زمن خلافة "الوليد بن عبد الملك" في أسرة اُشْتُهِرَتْ بعلم الحديث واستطلاع الآثار وأخبار الصحابة وفتاويهم ، فقد كان جده "مالك" من كبار علماء التابعين الذين رووا عن الكثير من الصحابة ، بالإضافة إلى أن والد جده من الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم ، كما أن أعمامه وإخوانه اشتغلوا جميعًا بطلب العلم ، وقد كانت أمه رحمها الله تقول له في صباه : (اذهب إلى ربيعة الرأيّ فتعلم من أدبه قبل علمه).


ومن أبرز شيوخ الإمام "مالك" : ابن هرمز وهو أول شيخ له ، ربيعة بن أبي عبد الرحمن "ربيعة الرأيّ" ، نافع مولى ابن عمر ، زيد بن أسلم ، ابن شهاب الزهري ، عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، أيوب السختياني ، هشام بن عروة ، يحيى بن سعيد الأنصاري ، عامر بن عبد الله بن الزبير ، عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ، وغيرهم الكثير.


ومن أبرز تلاميذه والرواة عنه : يحيى بن أبي كثير ، ابن شهاب الزهري ، يحيى بن أبي سعيد ، أبوحنيفة النعمان ، الأوزاعي ، حمّاد بن زيد ، إسماعيل بن جعفر ، سفيان بن عُيينة ، عبد الله بن المبارك ، عبد الرحمن بن القاسم ، عبد الرحمن بن مهدي ، عبد الله بن وهب ، الوليد بن مسلم ، يحيى القطَّان ، أبوداوود الطيالسي ، الفُضيل بن دكين ، مصعب بن عبد الله بن الزبير ، محمد بن عمر الواقدي ، أحمد بن نصر الخزاعي ، أما عن آخر تلاميذه فهو من روى الموطّأ لنا وعاش بعد "مالك" 80 عامًا أبوحذافة أحمد بن إسماعيل السهمي.


أما عن مجلس الإمام مالك فقد كانت حلقته في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكان الذي كان يجلس فيه "عمر بن الخطاب" للشورى والقضاء ، ولكن المذهب المالكي انتشر في المدينة المنورة موطن الإمام "مالك" ومن ثمَّ إلى "مصر" التي أصبح المذهب المالكي فيها معادلًأ للشافعية ، وانتقل بعد ذلك إلى بلاد المغرب والأندلس وصقلية والسودان ونيسابور.


ومن أشهر مؤلفات الإمام "مالك" : الموطأ ، رسالته في القدر ، كتابه في النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر ، كتابه في التفسير لغريب القرآن ، رسالته في الأقضية التي تكونت من 10 أجزاء ، رسالته في الآداب والمواعظ.


أما عن محنة الإمام "مالك" فتمثلت في والي المدينة "جعفر بن سُليمان" الذي قام بجلد الإمام بالسياط زعمًا منه أنه يُحِدثْ بحديث "ليس على مُستكرهٍ طلاق" ، الذي اتخذه مروجي الفتن حجة لبطلان بيعة أبي جعفر المنصور من الأعناق ، لكن ما إن وصل الأمر إلى "المنصور" عندما جاء في موسم الحج استسمح الإمام "مالك" عمَّا فعلوه به.


توفي الإمام مالك رحمه الله سنة 179 هـ ، وذلك بعد أن مرض 22 يومًا ، وتم دفنه في البقيع بالمدينة المنورة.

رحِمَ الله إمام دار الهجرة فقد كان ذا هيبة عظيمة ووقار ، صاحب صبر وذكاء وفراسة وقوة حفظ لا مثيل لها ، وجزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء.


  • الإمام محمد بن إدريس الشافعي (Imam Muhammad bin Idris al-Shafii):


هو أبوعبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي القرشي وُلِد بغزة سنة 150 هـ ويجتمع نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في "عبد مناف بن قصيّ" ، توفي أبوه وهو صغير ، فانتقلت به أمه إلى "مكة" وهو في عمر السنتين.


حفظ "الشافعي" القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين ، وحفظ موطأ الإمام مالك وهو ابن عشر سنين ، وقد كانت نشأته في أسرة فقيرة ، فقد كان رحمه الله يذهب إلى الديوان ليجمع ظهور الأوراق لكيّ يُدوِّن عليها الأحاديث التي حفِظَها بمجرد السماع ، كما أنه رحل إلى البادية للتفصُّح في اللغة العربية ولازم قبيلة "هُذَيْلْ" وأخذ عنها الشعر والأدب وأيام الناس.


ومن أبرز شيوخ الشافعي في رحلته إلى طلب العلم : سُفيان بن عُيينة ، مسلم بن خالد بن فروة الزنجي ، مالك بن أنس ، إبراهيم بن سعد الزهري ، إبراهيم بن محمد الأسلمي ، هشام بن يوسف الصنعاني "قاضي صنعاء" ، عمرو التنيسي "صاحب الأوزاعي" ، يحيى التنسي البكري "صاحب الليث بن سعد" ، محمد بن الحسن الشيباني ، وكيع بن جراح الكوفي ، إسماعيل بن إبراهيم البصري ، عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري ، وغيرهم الكثير.


 وكان من أجاز الإمام الشافعي للفُتيا والتدريس هو مفتي مكة حينئذ : مسلم بن خالد الزنجي ، وذلك لما رأى فيه من التواضع والذكاء والورع والعبادة والفصاحة وغزارة العلم.


ومن أبرز مَنْ روى وتتلمذ على يد الشافعيّ : الإمام أحمد بن حنبل ، إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي ، الربيع بن سليمان المرادي ، يوسف بن يحيى القرشي ، وغيرهم الكثير.


وبما أن الإمام الشافعي رحمه الله سافر إلى بقاعٍ كثيرة سعيًا لطلب العلم فقد انتشر المذهب الشافعي بشكل شاسع في بقاعٍ كثيرة من الأرض دون غيره من المذاهب ، فنجده في مصر والسودان أولًا ، ومن ثم انتشر في بلاد الشام والعراق ، ثم في الحجاز وتُهامة والأحساء وعسير واليمن ، ثم في البحرين وجنوب عمان ، وبلاد فارس وخراسان وما ورائهما ، ثم في كردستان و أرمينية والقوقاز وتركستان الشرقية ، ثم في جنوب شرق آسيا والهند ، ثم في الصومال وأريتريا وجيبوتي.


ومن أبرز مصنفات وكتب الشافعي : الرسالة القديمة في بغداد ، الرسالة الجديدة في مصر ، اختلاف الحديث ، جمَّاع العلم ، أحكام القرآن ، بيان فرض الله عز وجل ، صفة الأمر والنهي ، فضائل قريش ، ديوان الشافعي ،  وغيرها الكثير.


توفي رحمه الله ليلة الجمعة في آخر ليلة من رجب بمصر عام 204 هـ ، عن عُمُرٍ يُناهز أربع وخمسين سنة.


  • الإمام المُحَدِثْ أحمد بن حنبل (Imam Ahmad bin Hanbal):


هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي ، يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في "نزار بن معد بن عدنان" ، وهو من نفس قبيلة "المثنى بن حارثة الشيباني" ، وُلِدَ ببغداد في شهر ربيع الأول سنة 164 هـ.


نشأ الإمام أحمد ببغداد ، وكان قد فقد والده وهو صغير لا يعي عليه ولكنه عاش عيشة الكفاف بالعراق ، وقد تربى وسط العلماء وما أن بلغ أشده رحل يطلب العلم في شتى بقاع الأرض ، فأخذ حظه الوافر من علوم القرآن والحديث واللغة وأحوال النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته وسيرة أوليائه ومآثر الصحابة والتابعين ، وقد انشغل رحمه الله بطلب علوم الحديث والفقه بصفة خاصة.


ومن أبرز شيوخه : الشافعيّ ، إبراهيم بن سعد الزهري ، المعتمر بن سليمان التيمي ، يحيى بن سعيد القطَّان ، عبد الرحمن بن مهدي الأزدي ، وكيع بن الجراح الكوفي ، يزيد بن هارون الواسطي ، عبد الرازق بن همام ، الوليد بن مسلم الدمشقي ، هشيم بن بشير الواسطي ، يعقوب بن إبراهيم الزهري ، سفيان بن عيينة ، "ابن راهويه" إسحاق بن إبراهيم بن مخلد ، وغيرهم الكثير.


جمع الإمام أحمد بين علوم الحديث والفقه ، ولم يبدأ في التدريس والفتوى إلا بعد أن بلغ الأربعين من عُمُرِه ، وكانت مجالسه رحمه الله تعلوها الوقار ، فترى ازدحام طرقات بغداد بأكثر من خمسة آلاف طالب يحضرون درس الإمام ، وترى هنالك ما لا يقل عن خمسمائة طالب يدونون الدروس.


ومن أبرز من تتلمذ على يديه : أبو بكر المروذي ، أبوبكر الأثرم ، حرب بن إسماعيل الكرماني ، إبراهيم بن إسحاق الحربي ، بقيّ بن مخلد ، أبو داود السجستاني ، محمد بن إسماعيل البخاري ، مسلم بن الحجاج النيسابوري ، بشر بن موسى ، عمه "إسحاق" ، ابن عمه "حنبل" ، ولديْهِ صالح وعبد الله ، وغيرهم الكثير.


ومن أبرز مؤلفات الإمام أحمد : المسند ، العلل ومعرفة الرجال ، سؤالات أبي داود ، أصول السنة ، الرد على الجهمية والزنادقة ، فضائل الصحابة ، أحكام النساء ، وغيرهم من الكتب.


أما عن محنة الإمام أحمد رحمه الله فقد ابتدأت منذ عهد المأمون الذي كان من الفلاسفة المتكلمين وقد اعتزل مذهبه أغلب أئمة أهل السنة والجماعة مثل الشافعي وابن حنبل ، فقد كان حاشية المأمون من المعتزلة الذين أشاعوا زورًا وبهتانًا فتنة "خلق القرآن" وقد حملوا الأئمة والعلماء عليها بالسياط ، فأجابهم من أجاب مُكْرَهًا ، ومات بعضهم في الأسر مثل محمد بن نوح ونعيم بن حماد رحمهما الله ، لكن الله حفظ القرآن والسنة بالإمام أحمد الذي أجهر بالرفض في قول "خلق القرآن" جملة وتفصيلًا ، فما لبث أن أسره "المأمون" بواسطة وزيره المعتزلي "أحمد بن أبي داود" وهو صاحب القول على أن يحمل الناس على القول بخلق القرآن عن طريق استعمال قوة السلطان.


توفي المأمون وأوصى خيرًا بوزيره المعتزلي إلى أخيه المعتصم وهو رجل السيف وليس العلم ، وما لبث المعتصم أن جلد الإمام بالسياط تنفيذًا لوصية أخيه في وزيره ، وبعد أن مات المعتصم وتولى الواثق وكان على نفس ما كان من أخويه ، لم يضرب الإمام أحمد ولكنه منعه من الحديث والفتوى والاجتماع بالناس ، ثم أَذِنَ الله بانكشاف الغمة أخيرًا في عهد الخليفة المتوكل الذي رفع الأذى عن أهل السنة ومنع المعتزلة والناس من القول بفتنة خلق القرآن وأكرم الإمام أحمد رحمه الله وأجزل له العطاء وأعاد له دروسه وفتاويه من جديد بين الناس.


أما عن المذهب الحنبلي فقد انتشر في أرجاء شبه الجزيرة العربية إلى يومنا هذا ولكن اندثر انتشاره في مصر التي كانت الشافعية مذهبًا لها ، وكذلك اندثر في العراق التي كانت الحنفية مذهبًا لها ، ويرجع قلة انتشار المذهب الحنبلي بين الناس لأنه كان آخر المذاهب ظهورًا وكان أتباع الحنبلية ممن لا يحبون الولاية ويسعون إليها ، فأغلب المذاهب قد انتشرت عندما تولى فقهائها القضاء ، فنجد المذهب الحنفي بالعراق ، ونجِدْ المذهب المالكي ببلاد الأندلس والمغرب ، ونَجِدْ انتشار الشافعية بين ربوع الحجاز وتهامة والشام ومصر.


توفي الإمام أحمد رحمه الله ضُحى يوم الجمعة في 12 من ربيع الأول سنة 241 هـ ببغداد.

رَحِمَ الله الإمام أحمد حافظ القرآن والسنة فقد كان رجلًا قويّ الحفظ غزير العلم ، متواضعًا ورعًا زاهدًا في الدنيا ، صابرًا على آذاها ، ذا هيبة ووقار في نفوس شيوخه وطلابه وأعدائه.


  • الكلمات المفتاحية (Keywords) :

The four  jurists imams, Imam Abu Hanifa al-Numan bin Thabit, Imam of Dar Al-Hijrah Malik bin Anas, Imam Muhammad bin Idris al-Shafii, Imam Ahmad bin Hanbal.


الأئمة الأربعة الفقهاء ، الأئمة الأربعة، الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، إمام دار الهجرة مالك بن أنس ، الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، الإمام المُحَدِثْ أحمد بن حنبل.