طرزان : أسطورة الأدب الغربي Tarzan : The legend of Western Literature

 طرزان : أسطورة الأدب الغربي 

 Tarzan : The legend of Western Literature

من مِنا لا يسعى إلى الكمال والمثالية التي لم يجعلها الله لأحدٍ من البشر سوى لأنبيائِه ، لذلك عندما تكون النفس البشرية في حالة عجز من نوع ما ، عادةً ما تُحاول أن تكمل نفسها عن طريق صناعة الخيال الخصب الذي يجعل العاجز متمكن مما يستعصي عليه فمثلًا : الفقير يتخيل نفسه وهو يصرف الأموال الكثيرة ، والمريض يتخيل نفسه بأنه أصبح كاملًا صحيحًا ، والإنطوائي يتخيل نفسه مشهورًا بين مجتمعه ، ومن لديه عِللْ في الكلام يتخيل أنه أصبح فصيحًا محبوبًا ، والضعيف جسديًا يتخيل نفسه أنه أصبح قويًا قادرًا جدًا على تحقيق شتى أحلامه.


من تلك التصورات الخيالية التي تجعل الشخصية كاملة تمت ولادة عالم القصص الهزلية للأطفال والمراهقين ، فهي تُلْهِمْ قارئيها بكثيرٍ من الذكاء والقوة والشجاعة ، لذلك عمد الأدباء والكتاب إلى خلق شخصيات أبطال ذات ظروف خاصة خارجة عن السائد والمألوف تُغَذِي ذلك الخيال ، فمن منا لم تمر طفولته مثلًأ بمرحلة : (سوبرمان وبات مان وسبايدر مان وسندباد وطرزان وغيرهم من الأبطال) وإن كانت تلك الشخصيات تقترب وتبتعد عن إمكانيات البشر الطبيعية إلا أن هناك شخصية هي أقرب للإنسان الطبيعي من الشخصيات الأخرى وهي شخصية "طرزان : ملك القردة" ، فما هي الحكاية وراء طرزان ؟ ومن قام بتأليف تلك الرواية ؟ وكيف أصبحت تلك القصص الهزلية تجارة مُرْبِحَة بل إنها حتى إحدى بنود الإقتصاد العالمي حاليًا ؟! 


ولكيّ نبدأ الحكاية علينا أن نقف أولًا من هو المؤلف ؟

  • من هو مؤلف رواية طرزان ؟ (Who is the author of the novel of Tarzan):

هو الكاتب الأمريكي "إدغار رايس بوروس" ، وُلِدَ عام 1875 م وتوفي عام 1950 م ، كان قد التحق بالأكاديمية العسكرية في ميتشجن وتخرج منها عام 1895 م ، ثم أصبح عضوًا في فرقة الخيالة رقم 17 التي كانت من مهامها الموكلة إليها طرد السكان الأصليين من قبيلة "الأباتشي" في أمريكا الشمالية ، ولكن سرعان ما انتهت حياته العسكرية عقب اكتشافه خلل في إحدى صمامات قلبه ، عانى "بوروس" بعد ذلك واستمر في التنقل من مهنة إلى أخرى ساعيًا إلى مصدر رزق ثابت حتى أصبح بائِعًا لمختلف المواد القرطاسية المدرسية.


وفي أحد الأيام بينما كان منتظرًا لإحدى مندوبي شركات صناعة المواد القرطاسية ليبيعه حصة منها ، وقع نظره على إحدى مجلات القصص الهزلية المصورة فأخذها للإطلاع عليها ثم قال : "إذا كان الكتاب يقبضون ثمنًا لمثل هذه الخُزعبلات فإن بإمكاني كتابة خُزْعبلات أحسن من هذه".


  • كيف تكونت فكرة "طرزان" لدى "بوروس" ؟ (How did the idea of "Tarzan" come to Poros) :

تكونت فكرة "طرزان" لدى "بوروس" من ما عاشه وشاهده في حياته العسكرية ، فتخيل قصة إنسان ينشأ بعيدًا عن مظاهر التمدن والحضارة وعن مظاهر نزاعات البشر وحروبهم واقتتالهم المستميت على المادة ، فكان قصة البطل "طرزان" أنه إنسان ينشأ على الفطرة ويتربى بين أحضان الطبيعة الخلابة في الغابة وتكونت لديه عائلة خاصة جدًا من الحيوانات التي تعتبر بمثابة والديه وإخوته وأصدقائه ، بعد ذلك شرع "بوروس" في كتابة أولى رواياته عن "طرزان" التي صدرت طبعتها الأولى في أكتوبر عام 1912 م وحققت نجاحًا مذهلًا للغاية على كافة الأصعدة الأدبية ، وسرعان ما تحولت تلك الرواية الواحدة إلى سلسلة من روايات "بوروس" عن "طرزان" امتدت إلى 20 جزئًا ، بدئًا من عام 1912 م ونهايةً في عام 1941 م.


  • ما الأصل بين "حي بن يقظان" و "ماوكلي" و "طرزان" (What is the origin Between Hayy ibn Yaqzan "Mowgli" and Tarzan) :

هناك قصة تسمى قصة "حيّ بن يقظان" وهي تسبق كلًا من قصة "ماوكلي" وقصة "طرزان" ، وهي قصة قام بتأليفها الفيلسوف الأندلسي "ابن طفيل" الذي وُلِدَ عام 1110 م وتوفي عام 1185 م.


تدور تلك القصة عن طفل يولد ولادة طبيعية لكن لكيّ تحميه أمه قامت بوضعه داخل صندوق خشبي بالبحر وذلك خشية أن يقتله أخيها الملك التي تزوجت سرًا دون عِلمه ، فتحمل الأمواج الطفل إلى جزيرة تسمى بـ "جزيرة الواق واق" فتلتقط الطفل ظبية (أنثى الغزال) فتقوم باحتضانه وإرضاعه حتى يكبر ، ومِنْ ثم يقوم "حي" باكتشاف حقائق الطبيعة والكون من حوله بالإضافة إلى اكتشافه عالم الفضاء فتنشأ لدى "حي" المعرفة الكافية عن طريق التجارب باستعمال الحواس فيتجه بعد ذلك إلى الاستنتاج بعد التفكير ، ويصل إلى نتيجة نهائية تدفعه إلى الإيمان بالله ألا وهي أن النفس منفصلة عن الجسد.


وقد تم ترجمة قصة "حي بن يقظان" إلى عدة لغات على مستوى العالم منها : العبرية ثم اللاتينية ثم الإنجليزية ، ويعتقد كثير من النقاد المختصين بدراسة الأدب المقارن أن قصة "حي بن يقظان" هي النواة الأولى التي تأثر بها الأدباء الأوروبيين في إنتاج قصص مشابهة إلى حدٍ كبير مثل : ماوكلي وطرزان.


في غضون عام 2004 م قامت "مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك" لمجلس التعاون الخليجي بإنتاج فيلم رسوم متحركة يحمل اسم : "ابن الغابة" يستند في قصته إلى قصة "حي بن يقظان" وذلك عن طريق إعادة صياغة القصة فنيًا بإشراف العديد من التربويين.


وهناك قصة أخرى سبقت ظهور رواية "طرزان" إلى العلن وهي قصة فتى الأدغال "ماوكلي" للمؤلف البريطاني "روديارد كبلينغ" الذي ظهرت للعلن عام 1894 م ، وتجري أحداث تلك القصة أيضًا عن فتى يضيع من والديه  فتقوم قبيلة من الذئاب بتربيته ويتعلم كيفية التعايش في الغابات والأدغال وسط عائلته الجديدة من الذئاب.


مما سبق نلاحظ أن فكرة "طرزان" لم تكن مبتكرة من قبل "بوروس" فقط فهي ظهرت عام 1912 م بل سبقه إليها الأندلسيون منذ أكثر من 800 عام.


  • من هو طرزان ؟ (Who is Tarzan):

تبدأ حكاية "طرازان" على أنه طفل تمت تسميته بـ "جون كلينتون" وأنه وُلِدَ في إحدى عائلات النبلاء الإنجليز ، وفي احدى سفريات العائلة إلى السواحل الأفريقية التي كانت على متن سفينة مُبْحِرة في المحيط الأطلسي ثار البحارة على قبطان السفينة واندلعت أعمال شغب انتهت باستقرار السفينة على إحدى الجزر الأفريقية المجهولة.


بعد استقرار العائلة في الجزيرة قام والدا "جون" ببناء كوخ هناك ، وفي هذا الكوخ تمت ولادة "جون كلينتون" ثم ماتت والدته بعد ولادته ، وهاجم فصيل من القرود الخيالية التي خلقها "بوروس" في الرواية يدعى فصيل "مانجاني" تلك الجزيرة المجهولة فقام بقتل والد "جون كلينتون" هناك.


اصطحبت القرود "جون" الرضيع معها في الغابة وأطلقت عليه اسم "طرزان" الذي يتركب من مقطعين صوتيين هما "تار" و"زان" والتي تعني "ذا البشرة البيضاء" في لغة قردة "المانجاني".


  • نشأة طرزان في الغابة (Tarzan growing up in the woods):

يندمج طرزان وسط عائلته جديدة ، ويتعلم لغة الحيوانات وأساليب الدفاع عن النفس ، ثم أصبح بمثابة الحامي لفصيل "المانجاني" خاصة وحارس القردة عامة من الحيوانات الشرسة التي قد تهاجمها ، وكذلك من بعض أفراد القبائل الأفريقية التي تعمل في مجال الصيد ، وتلك كانت صورة البطل المغوار التي رسمها لنا "بوروس" الذي يتفوق على جميع المنافسين والمحاربين له.


  • صورة البطل "طرزان" لدى "بوروس" (The image of the hero "Tarzan" at Poros):

إنسان قوي البنية جسمه مليء بالعضلات يشبه إلى حدٍ ما أحد التماثيل اليونانية القديمة ، وله صرخة مُدوية تهز أرجاء الغابة يُحَذِرْ بها عشيرته من الأخطار التي تحيط بهم وتثير الرعب في نفوس الحيوانات الشرسة وصيادين الحيوانات  لأنه يقوم بإطلاقها مع كل نزالٍ يخوضه في الغابة ، وبالطبع النصر يكون دائمًا وأبدًا من حليف البطل "طرزان".


  • طرزان وجين (Tarzan and Jane) : 

عند بلوغ "طرزان" مرحلة الشباب حطَّت بعثة من المستكشفين الأمريكيين على أراضي الغابة ، وكانت مهام تلك البعثة تتمثل في دراسات متعمقة في علم الحيوانات  ، ومن أفراد تلك البعثة كانت هناك فتاة اسمها "جين" أنقذها "طرزان من العديد من المخاطر التي تعرضت لها أثناء تجوالها الاستكشافي في الغابة فيقعان في الحب ويُقررا الزواج.


يقرر "طرزان" و"جين" الاستقرار في لندن ، فتقوم "جين" بتعليم "طرزان" اللغة الإنجليزية ، ثم يُرزقان بمولودهما الأول هناك ، وبعد فترة كافية من العيش في المدينة يقرران العودة إلى أحضان الطبيعة مرة أخرى.


  • العودة إلى الغابة (Back to the woods):

بعد أن عاد "طرزان" إلى الغابة وجد أن هناك قبيلة تُدعى "كافور" قامت بتطوير حبوب لقاح من نوع ما تتسبب في الحصول على الحياة الدائمة فكانوا لا يموتون ،  وكانت تلك القبيلة نصبت العداء للقبائل الأفريقية و أرهبت الحيوانات حتى أنها قامت بخطف "جين" زوجة "طرزان" ، لكن سرعان ما انتصر "طرزان" عليهم واسترد "جين" منهم كما أنه استطاع الحصول على حبوب اللقاح وتناول منها مع حين فأصبحوا من الخالدين أصحاب الحياة الدائمة.


وهكذا انتهت رواية "بوروس" الأولى في سلسلة "طرزان".


  • طرزان في والت ديزني (Tarzan in Walt Disney):

في عام 1999 م تم عرض فيلم الرسوم المتحركة "طرزان" من قبل شركة "والت ديزني" وذلك استنادًا إلى الرواية الأصلية للقصة من قبل المؤلف "بوروس" ، وقد حقق أرباحًا عملاقة حينئذ بلغت قيمتها 448 مليون دولار على الصعيد العالمي ، بل إن أغنية الفيلم "You’ll Be in My Heart" للمغني "فل كولنز" حازت على جائزة الأوسكار عام 2000 م وحازت نفس الأغنية أيضًا على جائزة "Golden globe" لنفس العام ، إلا أن الشركة قد قامت بعدة تغييرات في سيناريو القصة منها :


يصور الفيلم انجراف السفينة التي كانت تقل عائلة طرزان بسبب تحطم السفينة وليس بسبب أعمال شغب كما في القصة الرئيسية ، وأن والد طرزان يتم قتله على يد نمر وليس على يد قرد ضخم كما في الرواية الأصلية ، وأنه يتزامن مقتل والد طرزان مع فقدان الغوريلا "كالا" لوليدها ، وفي الفيلم يستعمل الغوريلا لتمثيل فصيلة القردة ولم يستعمل الفصيل الخيالي "مانجاني" كما في الرواية الأصلية ، وجعل الفيلم من النمور أعداء لطرزان بينما عدوه الوحيد في الرواية الأصلية كان الأسد ، ولم يظهر الفيلم أي وجود للقبائل الأفريقية بينما القبائل الأفريقية المتنازعة جزءًا رئيسيًا في الرواية الأصلية.


  • طرزان في السينما (Tarzan in cinema):

ظهرت الأفلام الأولى التي تمثل الرواية كأفلام صامتة ظهرت بعد انتشار الرواية واقتبست العديد من نصوص الرواية كما هي بدون أي تعديلات ، أما عن الفيلم الأول للرواية فقد كان من إخراج المخرج الأمريكي "سكوت سيدني" وكان الفيلم يحمل نفس اسم الرواية "طرزان القردة" وقد ظهر عام 1918 م.


ثم ظهرت بداية من عام 1933 م سلسلة أفلام "طرزان الذي لا يعرف الخوف" التي تكونت من 12 فيلم وكانت من إخراج المخرج الكندي "روبرت هيل".


وفي عام 1999 م وصلت عدد الأفلام التي قد تم إنتاجها وعرضها عن شخصية "طرزان" إلى 88 فيلم.


  • طرزان بين أقلام الإنتقادات (Tarzan among the pens of criticism):


  1. الاختيار العنصري للاسم ، فمعنى اسم "طرزان" كما أسلفنا سابقًا هو "الرجل الأبيض" ، فيُصور ذلك هيمنة الرجل الأبيض وتفوقه فهو بطل الحكاية بالاضافة إلى أنه الباحث والمستكشف في عالم الحيوانات ، لكن الأفارقة يُصورهم "بوروس" على أنهم كائنات بدائية متوحشة عدائية للطبيعة في الغابة ولمختلف الحيوانات بشكل كبير.

  2. القيام بتوظيف القصة في الصراع العربي الإسرائيلي ، فنجد أن إسرائيل إثر ولع الناس بالرواية في الخمسينات قد قامت بتحوير قصة "طرزان" الاصلية وذلك لتقوم بتحويله إلى بطل يساعد المهاجرين اليهود إلى دخول الأراضي الفلسطينية أثناء فترة الإنتداب البريطاني فيقوم الإنجليز على إثر ذلك بإيداعه السجن ، وصورة أخرى هناك حيث جعلته إسرائيل يقوم بفك حصار فرضه الجيش المصري في السويس ومن ثمَّ يقوم بقتل الجنود المصريين كما كان يقتل الأفارقة العدائيين في الرواية ، وصورة أخرى أن "طرزان" يقوم بمنع مخطط "نازي - مصري" مشترك للهيمنة على القارة الأفريقية والعالم.

  3. صدور نُسخ مضادة للرد على "طرزان الإسرائيلي" في ستينات القرن الماضي حيث صورت "طرزان" على أنه مناصرًا للقضية الفلسطينية ويحارب الصهيونية ، ومن أشهر قصص طرزان "الفلسطيني" ما قام بتأليفه الكاتب السوري "كمال الريقي" وهي عبارة عن سلسلة من القصص المصورة التي تكونت من 20 جزءًا تم إصدارها في دمشق.


وختامًأ الخيال الخصب عادةً ما ينبض بشتى الأفكار الإبداعية ، لذلك لا تستعجب - عزيزي القارئ - أن أقول لك أن هناك بعضًا من أدباء كتابة قصص الخيال العلمي والقصص المصورة الهزلية عقب رؤيتهم نجاح روايات "طرزان" وبلوغ شهرتها الآفاق ذهبوا إلى أن "طرزان" شخصية حقيقية كانت تعيش معنا على سطح الأرض ، ومن أشهر هؤلاء الأدباء : الكاتب الأمريكي "فيليب فارمر" بل إنه قام بتأليف رواية عن ذلك وأسماها بـ "Tarzan Alive".


أيضًا لا يخفى عليك - أيها القارئ - أن هنالك الكثير من الدول التي يحتل الخيال العلمي والقصص الهزلية المصورة جزءً كبيرًا من اقتصادها ودخلها القومي ، ومن أشهر تلك الدول ؛ دولة بعينها هي سيدة عالم الأنمي على الإطلاق ألا وهي "اليابان" ، فهي أشهر دولة على الإطلاق تقوم بإنتاج القصص الهزلية المصورة وتنتجها في السينما والتليفزيون. 


  • الكلمات المفتاحية (Keywords):

Tarzan : The legend of Western Literature, Who is the author of the novel Tarzan ?, How did the idea of “Tarzan” come to Poros ?, What is the origin Between Hayy bin Yaqzan “Mowgli” and Tarzan, ًWho is Tarzan?The image of the hero Tarzan at Poros, Tarzan growing up in the woods, Tarzan and Jin, Back to the woods, Tarzan in Walt Disney, Tarzan in Film, Tarzan among the pens of criticism. 


طرزان : أسطورة الأدب الغربي ، من هو مؤلف رواية طرزان ؟ ، كيف تكونت فكرة "طرزان" لدى "بوروس" ؟ ، ما الأصل بين "حي بن يقظان" و "ماوكلي" و "طرزان" ، من هو طرزان ؟ ، نشأة طرزان في الغابة ، صورة البطل "طرزان" لدى "بوروس" ، طرزان وجين ، العودة إلى الغابة ، طرزان في والت ديزني ، طرزان في السينما ، طرزان بين أقلام الإنتقادات.