موافقات عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(Omar's approvals may God be pleased with him)
في دنيا البشر أورث الله تعالى علم الأنبياء لِصفوةٍ من خلقه اضطلع الله تعالى على صدق إيمانِهم فأجرى الحق على لسانهم وقلوبهم؛ وأبرز هؤلاء هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ). قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: (العلم).
وروى الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ). وقال ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه، وقال فيه عمر؛ إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فأما درجة السابقين الأولين كأبي بكر وعمر فتلك لا يبلغها أحد، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (قد كان في الأمم قبلكم مُحدَّثون فإن يكن في أمتي فعمر)، وقال عليّ رضي الله عنه: (كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر)، وفي الترمذي وغيره: (لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر، ولو كان بعدي نبيٌّ يُنتظر لكان عمر)).
ولم يكن عمر رضي الله عنه معصومًا فالعصمة اختص الله بها تعالى الأنبياء وحدهم، فكان موقفه من صلح الحديبية مخالفًا في البداية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى البخاري عن الزهري قول عمر رضي الله عنه عن صلح الحديبية: (فعملت لذلك أعمالاً)، وفي رواية ابن إسحاق: (وكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق، من الذي صنعت يومئذ؛ مخافة كلامي الذي تكلمتُ به)
أمَّا عن أبرز موافقات عمر رضي الله عنه:
اتخاذ مقام ابراهيم مُصلى (Taking the place of Abraham in prayer):
وقد أخرج البخاري عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
آية الحجاب (Verse of Hijab):
وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب،
تحذير أمهات المؤمنين من الغيرة المفرطة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( Warning the Mothers of the Believers against excessive jealousy for the Messenger of God, may God bless him and grant him peace):
واجتمع نساء النبي ﷺ في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن، أن يبدله أزواجا خيرا منكن، فأنزلت هذه الآية.
رأيه في أُسارى بدر (His opinion on the prisoners of Badr):
قال عمر رضي الله عنه:... فلمَّا كان يومئذٍ فهزم الله المشركين، فقُتل منهم سبعون رجلًا، وأُسِر منهم سبعون رجلًا، فاستشار رسول الله أبا بكرٍ، وعليًّا، وعمر، فقال أبو بكر: يا نبيَّ الله، هؤلاء بنو العمِّ، والعشيرة، والإِخوان، فإِنِّي أرى أن تأخذ منهم الفداء، فيكون ما أخذنا منهم قوَّةً لنا على الكفَّار، وعسى الله أن يهديهم، فيكونوا لنا عضدًا! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ما ترى يا بن الخطاب؟! فقال: قلت: والله ما أرى رأي أبي بكر! ولكنِّي أرى أن تمكِّنني من فلانٍ- قريبٍ لعمر- فأضرب عنقه، وتمكِّن عليًّا من عقيلٍ، فيضرب عنقه، وتمكِّن حمزة من فلانٍ أخيه فيضرب عنقه، حتَّى يعلم الله: أنَّه ليس في قلوبنا هوادةٌ للمشركين، هؤلاء صناديدهم، وأئمتهم، وقادتهم. فهوي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلت، فأخذ منهم الفداء.
فلمَّا كان من الغد، قال عمر: غدوت إِلى النَّبيِّ- صلى الله عليه وسلم- فإِذا هو قاعدٌ، وأبو بكرٍ، وإِذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبُك؟ فإِن وجدت بكاءً بكيت، وإِن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما! قال: قال النَّبيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «الذي عَرَضَ عليَّ أصحابك من الفداء، ولقد عُرض عليَّ عذابُهم أدنى من هذه الشَّجرة»- لشجرةٍ قريبة- وأنزل الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67] إِلى قوله:﴿ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ ﴾ [الأنفال: 68] من الفداء.
ثم أحلَّ لهم الغنائم، فلمَّا كان يوم أُحُد من العام المقبل، عوقبوا بما صنعوا يوم بَدْرٍ من أخذهم الفداء، فقُتِل منهم سبعون، وفرَّ أصحاب النَّبيِّ- صلى الله عليه وسلم- عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكُسِرَت رباعيَته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل الله تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ ﴾ [آل عمران: 165] إلى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165] بأخذكم الفداء.
ترك الصلاة على المنافقين (Leaving prayers for the hypocrites):
قال عمر: لمَّا توفي عبدالله بن أُبيٍّ دُعي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للصَّلاة عليه، فقام إِليه، فلمَّا وقف عليه يريد الصَّلاة، تحوَّلتُ حتَّى قمت في صدرهِ، فقلت: يا رسول الله، أعَلَى عدوِّ الله عبدالله بن أُبيٍّ القائل يوم كذا وكذا: كذا وكذا- يعدُّ أيَّامه- قال: ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتبسَّم، حتَّى إِذا أكثرتُ عليه، قال: «أخِّر عني يا عمر، إِني خيِّرت، فاخترت، قد قيل لي: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 80]، لو أعلم أنِّي إِن زدت على السَّبعين؛ غفر له؛ لزدتُ». قال: «ثمَّ صلَّى عليه، ومشى معه، فقام على قبره حتَّى فُرغ منه. قال: فعجب لي، وجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إِلا يسيرًا حتَّى نزلت هاتان الآيتان: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ لو أعلم أنِّي إِن زدت على السَّبعين غفر له؛ لزدتُ». قال: ثمَّ صلَّى عليه، ومشى معه، فقام على قبره حتَّى فُرغ منه. قال: فعجب لي، وجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إِلا يسيرًا حتَّى نزلت هاتان الآيتان: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84] إِلى آخر الآية، فما صلَّى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعده على منافقٍ، ولا قام على قبره حتَّى قبضه الله عزَّ وجل.
تحريم الخمر (Prohibition of alcohol):
قال عمر: لمَّا نزل تحريم الخمر؛ قال: اللَّهُمَّ بيِّن لنا في الخمر بيانًا شفاءً! فنزلت هذه الآية الَّتي في البقرة: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 219] قال: فدعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللَّهمَّ بيِّن لنا في الخمر بيانًا شفاءً! فنزلت الآية الَّتي في النِّساء: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43]، فكان منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إِذا أقام الصَّلاة نادى ألَّا يقربن الصَّلاة سكران، فدُعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللَّهمَّ بيِّن لنا في الخمر بيانًا شفاءً! فنزلت الآية الَّتي في المائدة، فدُعي عمر، فقرئت عليه، فلمَّا بلغ ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91] قال عمر: انتهينا، انتهينا!
وهكذا خضع تحريم الخمر لسُنَّةِ التدريج، وفي قوله: فهم عمر من الاستفهام الاستنكاري بأن المراد به ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾؛ لأن هذا الاستفهام أقوى وأقطع في التحريم من النهي العادي، فقط ألفاظ الآية وتركيبها وصياغتها تهديد رهيب واضح كالشمس في التحريم.
آداب الاستئذان (Etiquette of asking permission):
أرسل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غلامًا من الأنصار إِلى عمر بن الخطَّاب، وقت الظَّهيرة؛ ليدعوه، فدخل عليه، وكان نائمًا، وقد انكشف بعض جسده، فقال: اللَّهمَّ حرِّم الدُّخول علينا في وقت نومنا! وفي (روايةٍ) قال: يا رسول الله، وددت لو أنَّ الله أمرنا، ونهانا في حال الاستئذان... فنزلت: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ﴾ [النور: 58].
نزول القرآن وفقًا لقول عمر (The revelation of the Qur’an according to Omar):
أخرج الطيالسي وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في أربع فذكر الثلاثة، وقال في الرابعة : ونزلت {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين}. إلى قوله {ثم أنشأناه خلقا آخر} فقلت أنا: فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت {فتبارك الله أحسن الخالقين}.
وغير ذلك من الموافقات التي لا يتسع المجال لذكرها جميعا.
الكلمات المفتاحية (Keywords):
Omar ibn al-Khattab, Omar's approvals may God be pleased with him, Taking the place of Abraham in prayer, Verse of Hijab, Warning the Mothers of the Believers against excessive jealousy for the Messenger of God, may God bless him and grant him peace, His opinion on the prisoners of Badr, Leaving prayers for the hypocrites, Prohibition of alcohol, Etiquette of asking permission, The revelation of the Qur’an according to Omar.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مُوافقات عمر رضي الله عنه، اتخاذ مقام إبراهيم مُصلى، آية الحجاب، تحذير أمهات المؤمنين من الغيرة المفرطة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيه في أُسارى بدر، ترك الصلاة على المنافقين، تحريم الخمر، آداب الاستئذان، نزول القرآن وفقًا لقول عمر.